فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب}.
قال مقاتل: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب} البتة، يعني: مؤمنيهم، ثم استثنى كفارهم، فقال: {إلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ إلاَّ الذين ظَلَمُوا منْهُمْ} {إلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} فيها تقديم ثم نسخته آية قتال أهل الكتاب.
وقال الكلبي: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب} إن الله عز وجل أمر المسلمين إذ كانوا بمكة قبل أن يأمرهم بالقتال، فقال: {وَلاَ تجادلوا} من أتاكم من أهل الكتاب {إلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} بالقرآن تعظونهم به، وتدعونهم إلى الإسلام، وهي التي أحسن {إلاَّ الذين ظَلَمُوا منْهُمْ} في الملاعنة، وهم أهل نجران.
ويقال: {لا تجادلوا أَهْلَ الكتاب} يعني: لا تخاصموهم {إلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} يعني: إلا بالكلمة التي هي أحسن، وهي كلمة التوحيد {إلاَّ الذين ظَلَمُوا منْهُمْ} يعني: ولا الذين ظلموا منهم.
ويقال: إلا الذين ظلموا منهم، فلا بأس بأن تجادلوهم بما هو أشد، ثم بيّن الكلمة التي هي أحسن، فقال: {وَقُولُوا ءامَنَّا بالذى أُنزلَ إلَيْنَا وَأُنزلَ إلَيْكُمْ} يعني: القرآن والتوراة.
{وإلهنا وإلهكم وَاحد} يعني: ربنا وربكم واحد.
{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلمُونَ} يعني: مخلصون بالتوحيد.
ثم قال عز وجل: {وَكَذَلكَ أَنزَلْنَا إلَيْكَ الكتاب} يعني: القرآن، كما أنزلنا إلى موسى وعيسى عليهما السلام {فالذين ءاتيناهم الكتاب} وهم مؤمنو أهل الكتاب {يُؤْمنُونَ به} يعني: يصدقون بالقرآن {وَمنْ هَؤُلاء مَن يُؤْمنُ به} يعني: قريشًا {وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا} يعني: بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن {إلاَّ الكافرون} من اليهود ومشركي العرب.
ثم قال عز وجل: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو من قَبْله من كتاب} يعني: من قبل القرآن {وَلاَ تَخُطُّهُ بيَمينكَ} أي: لم تكن تكتب شيئًا بيدك.
{إذًا لارتاب المبطلون} يعني: فلو كنت قرأت الكتب أو كنت تكتب بيدك لشكَّ أهل مكة في أمرك، ويقولون إنه قرأ الكتب، وأخذ منها، ويقال: معناه لارتاب المبطلون يعني: لشك أهل الكتاب في أمرك لأنهم وجدوا في كتبهم نعته وصفته أنه أمي لا يقرأ الكتب، كيلا يشكوا في صفته.
{بَلْ هُوَ ءايات بينات في صُدُور الذين أُوتُوا العلم} يعني: بل هو يقين أنه نبي عند أهل العلم، ويقال: يعني: القرآن آيات بينات، يعني: واضحات، ويقال: بل إنه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات، لأنه أخبر عن أقاصيص الأولين في صدور الذين أوتوا العلم، يعني: مؤمني أهل الكتاب {وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا إلاَّ الظالمون} يعني: الكافرون.
قوله عز وجل: {وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزلَ عَلَيْه ءايات مّن رَّبّه} أي علامة من ربه {قُلْ إنَّمَا الآيات} يعني: العلامات {عَندَ الله} يعني: من عند الله عز وجل وليس بيدي شيء.
{وَإنَّمَا أَنَا نَذير مُّبين} يعني: مخوفًا مفقهًا لكم أنبئكم بلغة تعرفونها.
قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص {ءايات} بلفظ الجماعة، يعني: آيات القرآن.
والباقون {ءايَةً} يعني: آية واحدة، يعني: أنه كان لا يكتب، وكان له في ذلك آية بينة لنبوته، ويجوز أن يكونا معناه الآيات للجنس.
ثم قال عز وجل: {أَوَ لَمْ يَكْفهمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} يعني: القرآن فيه خبر ما مضى، وخبر ما يكون أو لم يكفهم هذا علامة، ويقال: أو لم يكفهم أنهم فصحاء فجاءهم بالقرآن الذي أعجزهم عن ذلك.
وقال الزجاج: كان قوم من المسلمين كتبوا شيئًا عن اليهود فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كَفَى هَذا حَمَاقَةَ قَوْمٍ أوْ ضَلاَلَةَ قَوْمٍ أَنْ يَرْغَبُوا عَمَّا أتاهُمْ به نَبيُّهُمْ إلى ما أَتَى به غَيْرُ نَبيّهمْ» فقال عز وجل: {أَوَلَمْ يَكْفهمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} {يتلى عَلَيْهمْ إنَّ في ذلك لَرَحْمَةً} يعني: في هذا القرآن لنعمة لمن آمن به {وذكرى} أي موعظة ويقال: تفكر {لّقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} يعني: يصدقون بالقرآن، فقال له كعب بن الأشرف: فقد كان قدم مكة من يشهد لك أنك رسول الله إن لم يشهد لك، فنزل {قُلْ كفى بالله بَيْنى وَبَيْنَكُمْ شَهيدًا} بأني رسول الله {يَعْلَمُ مَا في السموات والأرض والذين ءامَنُوا بالباطل} يعني: بالصنم ويقال بالشيطان، ويقال: بالطاغوت، وهو كعب بن الأشرف.
{وَكَفَرُوا بالله} يعني: جحدوا وحدانية الله {أولئك هُمُ الخاسرون} يعني: المغبونين في العقوبة.
ويقال: خسروا حيث استوجبوا لأنفسهم العقوبة.
ثم قال عز وجل: {وَيَسْتَعْجلُونَكَ بالعذاب} وذلك أنهم قالوا: ائتنا بعذاب الله.
يقول الله عز وجل: {وَلَوْلاَ أَجَل مُّسَمًّى} أي لولا الوقت الذي وقّتَ لهم {لَّجَاءهُمُ العذاب وَلَيَأْتيَنَّهُمْ بَغْتَةً} يعني: فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بنزول العذاب.
{يَسْتَعْجلُونَكَ بالعذاب وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحيطَة بالكافرين} يعني: جعلت لهم النار تحيط بهم.
قوله عز وجل: {يَوْمَ يغشاهم العذاب} يعني: يعلوهم {من فَوْقهمْ وَمن تَحْت أَرْجُلهمْ وَيقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو: {وَنَقُولُ ذُوقُوا} بالنون، يعني: نقول لهم نحن ذوقوا، وهي حكاية عن الله سبحانه وتعالى بلفظ الجماعة، وهو لفظ الملوك.
وقرأ الباقون بالياء يعني: يقول الله عز وجل.
ويقال: وتقول لهم الخزنة {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني: جربوا عقوبة ما كنتم تعملون في الدنيا.
ثم قال عز وجل: {ذَلكَ بأَنَّ الذين كَفَرُوا} قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو بسكون الياء، وقرأ الباقون بنصب الياء، وقرأ ابن عامر وحده {إنَّ أَرْضى وَاسعَة} بنصب الياء، وقرأ الباقون بسكونها في مثل هذه المواضع، لغتان يجوز كلاهما، ومعناه: إن أرضي واسعة، إذا أُمرْتُم بالمعصية والبدعة فاهربوا، ولا تطيعوا في المعصية، نزلت في ضعفاء المسلمين {إن كُنتُمْ} يعني: إذا كنتم في ضيق من إظهار الإسلام بمكة فَإنَّ أَرْضيَ وَاسعَة يعني: المدينة واسعة بإظهار الإسلام.
وروي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: «مَنْ فَرَّ بدينه منْ أَرْضٍ إلى أرضٍ وإنْ كَانَ شبْرًا منَ الأَرْض اسْتَوْجَبَ الجَنَّةَ وَكَانَ رَفيقَ إبْرَاهيمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهمَا السَّلام» وإنما خصَّ إبراهيم لأنه قال: {فَأامَنَ لَهُ لُوط وَقَالَ إنّى مُهَاجر إلى ربى إنَّهُ هُوَ العزيز الحكيم} [العنكبوت: 26] ففرَّ بدينه إلى الأرض المقدسة، وإنما خصّ محمدًا صلى الله عليه وسلم لأنه هاجر من مكة إلى المدينة.
ويقال: إن القوم كانوا في ضيق من العيش فقال: إن كنتم تخافون شدة العيش فإن أرضي واسعة.
{فَإيَّاىَ فاعبدون} أي موحدون بالمدينة علانية.
ثم خوفهم بالموت ليهاجروا فقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ الموت} لأنهم كانوا يخافون على أنفسهم بالخروج، فقال لهم: لا تخافوا فإنَّ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ الموت ثُمَّ إلَيْنَا تُرْجَعُونَ} في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {يَرْجعُونَ} بالياء بلفظ المغايبة على معنى الخبر عنهم.
وقرأ الباقون بالتاء على معنى الخطاب لهم.
ثم قال عز وجل: {والذين ءامَنُوا وَعَملُوا الصالحات} يعني: صدقوا بالله ورسوله {وَعَملُوا الصالحات} يعني: الطاعات وهاجروا فسمى الهجرة من الأعمال الصالحة لأنها كانت فريضة في ذلك الوقت {لَنُبَوّئَنَّهُمْ} يعني: لننزلنهم ولنسكننهم.
{مّنَ الجنة غُرَفًَا} يعني: غرفًا من الجنة.
قرأ حمزة والكسائي: {لنثوينهم} بالثاء، وقرأ الباقون {ظُلمُوا لَنُبَوّئَنَّهُمْ} بالياء، فمن قرأ بالثاء فهو من ثويت بالمكان، يعني: أقمت به، كقوله: {وَلَكنَّآ أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهمُ العمر وَمَا كُنتَ ثَاويًا في أَهْل مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهمْ ءاياتنا وَلَكنَّا كُنَّا مُرْسلينَ} [القصص: 45] ومن قرأ بالباء يعني: لننزلنهم، وذكر عن الفراء أنه قال: كلاهما واحد، بوأته منزلًا أي أنزلته، وأثويته منزلًا يعني: أنزلته سواء، كقوله: {وَمَا كُنتَ ثَاويًا}.
ثم قال: {تَجْرى من تَحْتهَا الأنهار خالدين فيهَا نعْمَ أَجْرُ العاملين} أي ثواب الموحدين {الذين صَبَرُوا} على الهجرة.
ويقال: صبروا على أمر الله تعالى.
{وعلى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي: يثقون به ولا يهتمون للرزق لأنهم كانوا يقولون: كيف نهاجر وليس لنا مال ولا معيشة، فوعظهم الله ليعبتروا فقال: {وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ} يعني: وكم من دابة في الأرض أو من طائر في السماء {لاَّ تَحْملُ رزْقَهَا} معها ولا يجمع الغذاء إلا النملة والفأرة.
ويقال: لا تخبىء رزقها {الله يَرْزُقُهَا وَإيَّاكُمْ} يعني: يرزق الدواب حيث ما توجهت، وإياكم إذا هاجرتم إلى المدينة.
{وَهُوَ السميع} لمقالتكم {العليم} بكم {وَلَئن سَأَلْتَهُمْ} يعني: كفار مكة {منْ خلاق السموات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ} يعني: من أين يكذبون بتوحيد الله عز وجل.
ثم رجع إلى أهل الهجرة ورغبهم فيها فقال: {الله يَبْسُطُ الرزق لمَنْ يَشَاء} يعني: يوسع على من يشاء {منْ عبَاده وَيَقْدرُ لَهُ} ويقتر لمن يشاء {أَنَّ الله بكُلّ شيء عَليم} من البسط والتقتير {وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ منَ السماء مَاء فَأَحْيَا به الأرض بَعْدَ مَوْتهَا} يعني: من بعد يبسها وقحطها {لَيَقُولُنَّ الله قُل الحمد للَّه} على إقرارهم بذلك {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقلُونَ} توحيد ربهم، وهم مقرون بالله عز وجل خالق هذه الأشياء.
قوله عز وجل: {وَمَا هذه الحياة الدنيا إلاَّ لَهْو} يعني: باطل {وَلَعب} كلعب الصبيان، ولهو كلهو الشبان.
ويقال: فرح لا يبقى للخلق ولا يبقى فيها إلا العمل الصالح.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه أو عالمًا أو متعلمًا» وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مَرَّ بسخلة منتنة فقال: «وَالَّذي نَفْسي بيَده للدُّنْيَا على الله أهْوَنُ منْ هذه السَّخْلَة عَلَى أَهْلهَا» {وَإنَّ الدار الآخرة لَهىَ الحيوان} يعني: هي دار الحياة لا موت فيها {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} يعني: لو كانوا يصدقون بثواب الله عز وجل.
{فَإذَا رَكبُوا في الفلك} يعني: في السفن {دَعَوُا الله مُخْلصينَ لَهُ الدين} يعني: مجدين وتركوا دعاء أصنامهم، ويعلمون أنه لا يجيبهم أحد إلا الله تعالى.
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى البر} يعني: إلى القرار {إذَا هُمْ يُشْركُونَ} به.
قوله عز وجل: {ليَكْفُرُوا بمَآ ءاتيناهم} يعني: ما أعطيناهم من النعمة {وَليَتَمَتَّعُوا} قرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر ونافع في رواية ورش: {وَليَتَمَتَّعُوا} بكسر اللام، وقرأ الباقون بالجزم.
فمن قرأ بالكسر، فمعناه: لكي يتمتعوا، لأن الكلام عطف على ما قبله يعني: يشركون لكي يكفروا، ولكي يتمتعوا في الدنيا.
ومن قرأ بالجزم فهو على معنى التهديد والتوبيخ بلفظ الأمر، وتشهد له قراءة أبيَّ كان يقرأ تمتعوا.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} ومعناه وليتمتعوا، يعني: وليعيشوا فسوف يعلمون إذا نزل بهم العذاب {أَوَ لَمْ يَرَوْا} يعني: أو لم يعلموا ويعتبروا {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءامنًا وَيُتَخَطَّفُ الناس} يعني: يختلس الناس فيقتلون ويسبون وهم آمنون يأكلون رزقي ويعبدون غيري، فكيف أسلط عليهم إذا أسلموا.
{أفبالباطل يُؤْمنُونَ} يعني: أفبالشيطان يصدقون أن لي شريكًا.
ويقال: أفبالأصنام يؤمنون {وَبنعْمَة الله يَكْفُرُونَ} يعني: وبخالق هذه النعمة ورسوله يجحدون.
ثم قال عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افترى عَلَى الله كَذبًا} بأن معه شريكًا {أَوْ كَذَّبَ بالحق} يعني: بالقرآن {لَمَّا جَاءهُ} أي حين جاءه {أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} مثوى، أي مقامًا للكافرين بالتوحيد كما قال: {وَكَذَلكَ أَوْحَيْنَآ إلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبيًّا لّتُنذرَ أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذرَ يَوْمَ الجمع لاَ رَيْبَ فيه فَريق في الجنة وَفَريق في السعير} [الشورى: 7] ثم قال عز وجل: {والذين جاهدوا فينَا} يعني: رغبوا في طاعتنا {لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا} يعني: لنعرفنهم طريقنا، ويقال: معناه لنرشدنهم طريق الجنة {وَإنَّ الله لَمَعَ المحسنين} يعني: في العون لهم ويقال: والذين عملوا بما علموا لنوفقنهم لما لم يعلموا، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب}.
الجدال: فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج فيه، وأصله شدة الفتل ومنه قيل للصقر: أجدل لشدة فتل بدنه وقوة خلقه، وقيل: الجدال من الجدالة وهو أن يروم كل واحد من الخصمين قهر صاحبه وصرعه على الجدالة وهي الأرض.
{إلاَّ بالتي هيَ أَحْسَنُ} ألطف وأرفق، وهو الجميل من القول والدعاء إلى الله والبينة على آيات الله وحججه.
{إلاَّ الذين ظَلَمُوا منْهُمْ} قال مجاهد: يعني إن قالوا شرًا فقولوا خيرًا {إلاَّ الذين ظَلَمُوا منْهُمْ} أي أبوا أن يعطوا الجزية ونصبوا الحرب، فأولئك انتصروا منهم وجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يقرّوا بالجزية. قال سعيد بن جبير: هم أهل الحرب من لا عهد لهم فجادلوهم بالسيف. ابن زيد: {إلاَّ الذين ظَلَمُوا منْهُمْ} بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم.
ومجاز الآية: إلاّ الذين ظلموكم لأنّ جميعهم ظالم. وقال قتادة ومقاتل: هذه الآية منسوخة بقوله: {قَاتلُوا الذين لاَ يُؤْمنُونَ بالله} [التوبة: 29]. الآية.
{وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزلَ إلَيْنَا وَأُنزلَ إلَيْكُمْ} أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: أخبرني ابن أبي نملة الأنصاري: إنّ أبا نملة أخبره واسمه عمّار إنّه بينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس جاءه رجل من اليهود ومر بجنازة فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أعلم»، فقال اليهودي: إنّها تتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلا لم تصدقوهم وإن كان حقًا لم تكذبوهم».